mercredi 20 octobre 2010

المستشفيات: آخر معاقل الغلابى

لا يمكنك فهم العقليات المهيمنة وسط القطاع العمومي دون الاحتكاك بالناس. كأي شخص تعرض لوعكات صحية ، اتجهت كالعادة إلى الخواص ثم إلى القطاع العام ثم إلى الخواص الذين وجهوني بدورهم إلى القطاع العام. و الحق كل الحق أن للقطاعين ميزات و عيوب مشهودة. الخاص طامع في العام...و العام يتمنى لو أن لديه إمكانيات الخاص و عددا أقل من المرضى حتى يقلل من حجم العمل. ولكن للأسف الشديد نسمع دوما شهادات المرضى عما يحدث لهم في المستشفيات، و قلما نذكر محاسن الدكاترة و الممرضات و الطاقم العامل معهم، من البواب إلى الطباخ و مرورا بالصيدلاني...اذكر إنني مررت في التسعينات بتجارب اجبر تني على الإقامة بالمستشفيات و رأيت فيها ما يخفف الآلام و العناء بحيث يتوجب علينا جميع الاعتراف بفضل هذا القطاع علينا. و لكن منذ سنوات أصبح قطاع الصحة كغيره من القطاعات مهددا بالزوال و مسرحا للظلم و الإقصاء. أصبح الناس لا يذكرونه بخير. فما إن سردت حادثا وقع لي بمستشفى في العاصمة حتى استمعت لألف قصة و قصة مشابهة تتقاطع فيها أوجه الشبه: هناك زبائن خواص يستفيدون من "الواسطة" و الخدمات أما عامة الناس فقد ينتظرون ستة أشهر أو أكثر لموعد لدى طبيب اختصاصي و قد لا يراهم الطبيب لأن طابور الزبائن أطول من المرضى الحاصلين على مواعيد، فينصرف الكثير منهم دون زيارة الطبيب رغم حاجتهم الملحة للتطبيب و رغم انعدام الإمكانيات المادية التي قد تسمح لهم بالتوجه إلى عيادات خاصة. في مدة أسبوع سمعت عن حالات مماثلة تكررت من مستشفى باب الوادي- حيث انتظرت مع جماعة من المرضى صباحا كاملا من 7والنصف ال11س لننصرف جميعنا بدون الحصول على الخدمات و تكررت نفس القصة في مستشفى مصطفى با- أول ماي- وفي عيادات فرعية أخرى يحدث العجب من محسوبية اتجاه البعض و الإقصاء تجاه الكثيرين..
سأطرح قضيتين أساسيتين تنم عما يدور في نفس يعقوب من عقليات مخيفة. أولا إن بعض المستشفيات و ليس كلها تحولت إلى عيادات خاصة لها زبناؤها المعتادين و لأنها لا تستطيع التكفل بأعداد كبيرة من المرضى يشعر المريض " الغريب " بالغربة و بان عليه أن يتدبر أحواله خارج القطاع العام. المريض الذي يقوم و يصلى الصبح و يطلب من الله عز و جل أن يجد بشرا في القطاع العام والآ تقابله قلوب متحجرة فيعود المساء أدراجه دون قضاء حاجته أحيانا يأتي من الجنوب أو الشرق أو الغرب و يبيت عند أقربائه لأن كل شيء متمركز في المدن أما المناطق الداخلية فهي كالصحراء لا مراكز فيها ولا اختصاصات تذكر .و حينما يصل الى المستشفيات يصبح ألأمر مرهونا بالقضاء و القدر... يعني انك إذا وجدت قلوبا رحيمة فسوف تتلقى العلاج و إن كان نهارك أكحل ... ربي يجيب.
غيران العقلية ينبغي أن تتغير – إن لم تكن متدينا فكن متخلقا و إن لم تكن متخلقا فتحلى بالمسؤولية و اخدم الناس لأنك تتلقى الأجر على خدماتك.عقلية لا منطق لها. لا بد أن تتغير بالإرادة و الإلحاح.
ثانيا...المشكلة ليست فقط تحت ولكن فوق...
في أوروبا عندما تتحدث عن القطاع العام يعني أن المستثمرين الخواص يجتمعوا و يؤسسوا شركات بأموالهم لتقديم خدمات بالأسعار المدروسة بعد التجهيز و غيره...كما هو الحال في العيادات الخاصة...عندنا المسألة مختلفة تماما. هناك مستشفيات تم بناِؤها و تجهيزها في السبعينات بأموال و مشاريع خصصتها الدولة من ميزانياتها. و لكن داخل القطاع العام و خاصة في القطاع الصحي ترعرع اللصوص – الممتدة شبكتهم إلى الضمان الاجتماعي بمختلف فروعه- من ذوي الهندام الجميل و سال لعابهم منذ عشرات السنون و هم يحلمون بان يصبحوا أربابا للقطاع . في بادئ الأمر امتدت أياديهم إلى الأجهزة الباهظة الثمن المستوردة من الخارج...فأبقوها في المستودعات ثم بيعت بطرق لا تعقل . ثم أحيانا يجري تعطيلها لتعطيل المصالح و الخدمات حتى يصبح القطاع صالحا للخوصصة تماما مثل ما تم فعله ببعض المؤسسات العمومية. أفادتني طبيبة في القطاع العام بأن مصلحتها تتلقى بانتظام دواء نادرا و باهظ الثمن ، و توكل مهمة حفظه في الصيدلية الخاصة بالقطاع غير إنها كطبيبة نادرا ما تجد ذلك الدواء لمعالجة المرضى و خاصة الحالات المستعجلة و تقسم إنها تشاهد وصول الدواء إلى المصلحة كما إنها توقع على استلامه و لكنها لا تجده عند الحاجة. من أي جهة تشق الأدوية و الأجهزة طريقها و من المسئول؟ كما أخبرتني مختصة أخرى بمستشفى بالعاصمة أنها غادرت مصلحتها بسبب الرشاوى و السرقة و أنها فضلت تغيير المصلحة إلى منصب اقل أهمية بالرغم من كفاءتها و قدمها المهنيين، لأنها خافت على نفسها – فهي إما متورطة و ضالعة و إما مضطرة إلى التبليغ و هذا ما كانت تخشاه. كما أن آخر طبيب عرفته في المستشفي كان يحسن للناس العامة كثيرا وجد نفسه قابعا في السجن و لا نعلم إن هو حقا متهما و الله أعلم ما سبب التهم الموجهة إليه. ندعو الله أن يعينه على تجاوز هذه المحنة وأن يعود إلى أهله سالما لأنه فعلا إنسان طيب بشهادة عامة الناس و خاصتها.

لا يهم أن يصبح القطاع الخاص هو القطاع الأصلح و السائد في بلادنا و أتمني له النجاح بقدر صلاحه و لكن ما يؤرقني فعلا هو ما يحاصر الناس عموما . أين سيذهب من ليس له " الإمكانيات و المعرفة- الواسطة"؟ و هم كثر منذ التسعينات التي عرفت فيها بلادنا انتشارا واسعا للبطالة و الفقر منذ أن وقعنا في حفرة صناديق النقد و البلاء و حلفاؤهم و غيرهم ممن استطاعوا أن يخططوا لكل شيء تحول عندنا إلى مصائب سوداء ينفذها من أوساط الشعب أو هكذا يبدو الحال ... و حتى ولو كان للبعض من الناس وساطة فهل لنا أن نتصور كيف سيصبح سلوك الناس – بعد انتشار مكرس للمحسوبية و الرشوة و لغة الزبائن .